تلاقي الأرواح في البرزخ ومعرفتهم لأحوال الأحياء
عادل سليمان القطاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه .. أما بعد :
فإن موضوع تلاقي الأرواح بعد الموت وتزاورها قال من قال من العلماء الكرام أنه غير صحيح ، ورد أحاديث وآثار صحيحة ثابتة ..
فأحببت أن ألقي الضوء على ما ورد فيها من أحاديث وآثار رجاء نفع إخواني ونفع نفسي بهذا الباب الطيب من أبواب العلم الشرعي ..
وأما عن معرفة الأموات بحال الأحياء ..
فهو الصحيح المختار تبعا لما صح من أدلة ..
وليس بالضرورة أن يكون بسماعهم أصوات الأحياء في الدنيا وهم في البرزخ ..
للاختلاف الوارد في سماع الموتى ..
وكذلك لا نقول أنهم يطلعون على حال الأحياء !! لأن هذا غيب حجبه الله عن العباد الأحياء منهم والأموات ..
وإنما الثابت في صحيح الروايات أن ذلك عن طريق سؤالهم لمن مات من أهل الصلاح والخير وورد عليهم ، فيقابلونه ويسألونه عن حال الأحياء ..
وفي المسألة أدلة صحيحة وعليها ظاهر الكتاب ..
قال تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }
وهي تحتمل الآخرة عموما في البرزخ والقيامة والجنة ..
وقد أخبر الله عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ، وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وهذا يدل على تلاقيهم كما قال ابن القيم ..
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله – في تفسيره (1/156) :
{ يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } أي : يبشر بعضهم بعضا ، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم ، وأنهم سينالون ما نالوا ..
{ ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي : يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور ..
{ يستبشرون بنعمة من الله وفضل } أي : يهنيء بعضهم بعضا، بأعظم مهنأ به ، وهو : نعمة ربهم ، وفضله ، وإحسانه ، { وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين } بل ينميه ويشكره ، ويزيده من فضله ، ما لا يصل إليه سعيهم ..
وفي هذه الآيات إثبات نعيم البرزخ ، وأن الشهداء في أعلى مكان عند ربهم ، وفيه تلاقي أرواح أهل الخير ، وزيارة بعضهم بعضا ، وتبشير بعضهم بعضا . اهـ
وهذه ليست خاصة بالشهداء ، لوجود أدلة أخرى عامة ..
منها : أن الأموات يتزاورون
ففي صحيح مسلم (943 ) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه .
وفي رواية للبيهقي في شعب الإيمان عن ابن سيرين عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من ولي أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون فيها .
وصح أيضا من كلام ابن سيرين .
رواية البيهقي في شعب الإيمان 7/10 وابن أبي الدنيا في المنامات ( 1/ 88 ) عن أبي قتادة وصححه الألباني في صحيح الجامع 845 والصحيحة 1425 .
وقال السيوطي في اللآليء المصنوعة : الحديث حسن صحيح له طرق كثيرة وشواهد استوعبتها في كتاب شرح الصدور ، ثم ذكر منها : عن أبي الزبير عن جابر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحسنوا كفن موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون بها في قبورهم .
وقال السيوطي في الديباج على مسلم (3/26) : زاد الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث جابر أيضا : فإنهم يتباهون ويتزاورون في قبورهم وللترمذي وابن ماجة مثله من حديث أبي قتادة .
قلت : وجاء عن ابن سيرين موقوفا بسند صحيح في مصنف عبد الرزاق 3/431 ومصنف ابن أبي شيبة 2/468.
ومنها : أن الموتى يسألون عن الأحياء فيعرفون أخبارهم
فالموتى يسألون عن الأحياء فيسرون ويساؤون لما يسمعون من أحوالهم ..
جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن المؤمن إذا قبض .. وذكر الحديث .. وجاء فيه : حتى يأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أهل الغائـب بغائبهم فيقولون : ما فعل فلان ؟ فيقولون : دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا فيقول : قد مات ، أما أتاكم ؟ فيقولون : ذهب به أمه الهاوية .. الخ.
وهو حديث صحيح رواه النسائي صغرى 4/8 وكبرى 1/603 وابن حبان في صحيحه 7/284 والحاكم 1/504 ورواه 2/581 عن الحسن مرسلا بسند صحيح أيضا .
وروى البزار والطبري عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن حين ينزل به الموت ويعاين ما يعاين ، ود أنها قد خرجت ، والله يحب لقاءه ، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء ، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض ، فإذا قال : تركت فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك ، وإذا قال لهم إن فلانا قد فارق الدنيا . قالوا : ما جيىء بروح ذاك إلينا ، وقد ذهب بروحه إلى أرواح أهل النار ، وإن المؤمن يجلس في قبره ويسأل : من ربك ؟ فيقول : ربي الله .. الحديث
رواه البزار كما فى كشف الأستار (1/413) والطبري في تهذيب الآثار (2/216) وقال الهيثمى (3/53) : رجاله ثقات خلا سعيد بن بحر القراطيسى فإني لم أعرفه .
قلت : وثقه ابن حجر ، وهو عند الطبري من غير طريقه ، وصححه السيوطي .
يتبع ..
عادل سليمان القطاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه .. أما بعد :
فإن موضوع تلاقي الأرواح بعد الموت وتزاورها قال من قال من العلماء الكرام أنه غير صحيح ، ورد أحاديث وآثار صحيحة ثابتة ..
فأحببت أن ألقي الضوء على ما ورد فيها من أحاديث وآثار رجاء نفع إخواني ونفع نفسي بهذا الباب الطيب من أبواب العلم الشرعي ..
وأما عن معرفة الأموات بحال الأحياء ..
فهو الصحيح المختار تبعا لما صح من أدلة ..
وليس بالضرورة أن يكون بسماعهم أصوات الأحياء في الدنيا وهم في البرزخ ..
للاختلاف الوارد في سماع الموتى ..
وكذلك لا نقول أنهم يطلعون على حال الأحياء !! لأن هذا غيب حجبه الله عن العباد الأحياء منهم والأموات ..
وإنما الثابت في صحيح الروايات أن ذلك عن طريق سؤالهم لمن مات من أهل الصلاح والخير وورد عليهم ، فيقابلونه ويسألونه عن حال الأحياء ..
وفي المسألة أدلة صحيحة وعليها ظاهر الكتاب ..
قال تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }
وهي تحتمل الآخرة عموما في البرزخ والقيامة والجنة ..
وقد أخبر الله عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ، وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وهذا يدل على تلاقيهم كما قال ابن القيم ..
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله – في تفسيره (1/156) :
{ يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } أي : يبشر بعضهم بعضا ، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم ، وأنهم سينالون ما نالوا ..
{ ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي : يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور ..
{ يستبشرون بنعمة من الله وفضل } أي : يهنيء بعضهم بعضا، بأعظم مهنأ به ، وهو : نعمة ربهم ، وفضله ، وإحسانه ، { وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين } بل ينميه ويشكره ، ويزيده من فضله ، ما لا يصل إليه سعيهم ..
وفي هذه الآيات إثبات نعيم البرزخ ، وأن الشهداء في أعلى مكان عند ربهم ، وفيه تلاقي أرواح أهل الخير ، وزيارة بعضهم بعضا ، وتبشير بعضهم بعضا . اهـ
وهذه ليست خاصة بالشهداء ، لوجود أدلة أخرى عامة ..
منها : أن الأموات يتزاورون
ففي صحيح مسلم (943 ) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه .
وفي رواية للبيهقي في شعب الإيمان عن ابن سيرين عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من ولي أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون فيها .
وصح أيضا من كلام ابن سيرين .
رواية البيهقي في شعب الإيمان 7/10 وابن أبي الدنيا في المنامات ( 1/ 88 ) عن أبي قتادة وصححه الألباني في صحيح الجامع 845 والصحيحة 1425 .
وقال السيوطي في اللآليء المصنوعة : الحديث حسن صحيح له طرق كثيرة وشواهد استوعبتها في كتاب شرح الصدور ، ثم ذكر منها : عن أبي الزبير عن جابر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحسنوا كفن موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون بها في قبورهم .
وقال السيوطي في الديباج على مسلم (3/26) : زاد الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث جابر أيضا : فإنهم يتباهون ويتزاورون في قبورهم وللترمذي وابن ماجة مثله من حديث أبي قتادة .
قلت : وجاء عن ابن سيرين موقوفا بسند صحيح في مصنف عبد الرزاق 3/431 ومصنف ابن أبي شيبة 2/468.
ومنها : أن الموتى يسألون عن الأحياء فيعرفون أخبارهم
فالموتى يسألون عن الأحياء فيسرون ويساؤون لما يسمعون من أحوالهم ..
جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن المؤمن إذا قبض .. وذكر الحديث .. وجاء فيه : حتى يأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أهل الغائـب بغائبهم فيقولون : ما فعل فلان ؟ فيقولون : دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا فيقول : قد مات ، أما أتاكم ؟ فيقولون : ذهب به أمه الهاوية .. الخ.
وهو حديث صحيح رواه النسائي صغرى 4/8 وكبرى 1/603 وابن حبان في صحيحه 7/284 والحاكم 1/504 ورواه 2/581 عن الحسن مرسلا بسند صحيح أيضا .
وروى البزار والطبري عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن حين ينزل به الموت ويعاين ما يعاين ، ود أنها قد خرجت ، والله يحب لقاءه ، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء ، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض ، فإذا قال : تركت فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك ، وإذا قال لهم إن فلانا قد فارق الدنيا . قالوا : ما جيىء بروح ذاك إلينا ، وقد ذهب بروحه إلى أرواح أهل النار ، وإن المؤمن يجلس في قبره ويسأل : من ربك ؟ فيقول : ربي الله .. الحديث
رواه البزار كما فى كشف الأستار (1/413) والطبري في تهذيب الآثار (2/216) وقال الهيثمى (3/53) : رجاله ثقات خلا سعيد بن بحر القراطيسى فإني لم أعرفه .
قلت : وثقه ابن حجر ، وهو عند الطبري من غير طريقه ، وصححه السيوطي .
يتبع ..